|
|
المحتويات |
|
|
|
|
Vol.1 المجلد الأول
>
العدد الثالث ٣٠ -٨-٢٠١٦ |
|
|
|
|
|
|
افتتاحية العدد .. أ.د. عيد بلبع |
|
PP: 0 |
|
doi:10.18576/contexts/01010301
|
|
Author(s) |
|
أ.د. عيـد بلبـع,
|
|
Abstract |
|
افتتاحية العدد
أما بعد
فالمعرفة حراك دائم مدفوع بحرارة السؤال التي هي مبعث الحيوية ورافد النماء المتواثب في كل فرع من فروع المعرفة، وبقدر إفرازات العلوم والمعارف من مناهج ونظريات ينشأ التوهم بإمكان الاكتفاء بالذات الذي يؤدي إلى التقوقع ثم الانغلاق عليها, ومن ثم ينشأ السكون المعرفي القاتل الذي يهدر الجهود في مسالك التكرار والجمود الناجمة عن توهم إمكان انغلاق المعارف والعلوم على معطيات سياقها الخاص.
نستثني من هذا المسلك ساحتين:الأولى ساحة الدول المتقدمة يستوي عندها هذا الحراك العابر لحدود التخصص في سياقات العلوم الطبيعية والمعارف العملية التطبيقية، وفي سياقات آداب اللغات والإنسانيات، والثانية تتمثل في عصور ازدهار الساحة العربية في انفتاح سياقات علوم اللغة والأدب والعلوم الشرعية والفلسفة إلى حد وجدنا معه للمؤلف الواحد مؤلفات رائدة في حقول اختصاص مختلفة.
وعلى الرغم من هذا نجد أكثر المؤلفين العرب في الإنسانيات وآداب اللغة لا يُلقون بالا لهذه الرؤية السياقية العابرة للتخصص، بل ما تزال أكثر التخصصات في الجامعات العربية لا تعبأ بهذه الرؤية السياقية، فتعمل عمل الجزر المنعزلة.
غير عابئين بأن علومهم ومعارفهم إن استسلمت للعزلة على مستوى التأثر استسلمت بالضرورة للعزلة على مستوى التأثير، فعاشت ما شاء الله لها أن تعيش دون الأعتاب، فتُفنيها أحادية الرؤية، وتندثر تحت وطأة الانغلاق.
إن الانفتاح على سياقات العلوم والمعارف عبر الأعصار والأقطار يمثل رؤية منهجية في التواصل تتحصن من الانغلاق الناتج عن أحادية مصدر المعرفة، فالسياقية استكشاف دائم للآفاق بنظرتها الانفتاحية الاستيعابية، فالرؤية السياقية يغذيها ما لا حصر له من الروافد، لأنها منفتحة على ما لا حصر له من الرؤى، طامحة إلى استشراف ما لا حصر له من الآفاق، فالسياقية إبحار معرفي لا يعبأ بحدود المكان ولا يعرف حدود الزمن، مربوطة بمركزها مشدودة إليه وهي سابحة في الآفاق، فولاؤها للوعي وللمعرفة في وجودهما الذي لا تحده حدود المذهبية، ولا تخنقه ضواغط الأيديولوجيات، ولا يعترف بحواجز الزمان والمكان.
تنطلق سياقات في الاهتمام بشأن البحث في اللغة والدراسات البينية من رؤية تنبني على اقتناع بأنه ليس ثّمَّ فكرة تنشأ من فراغ, وليست ثّمَّ مناهج تهبط من السماء، وليس ثّمَّ علوم أو معارف تنشأ منعزلة عن السياقات المعرفية، منفصلة تمام الانفصال عن الحراك الفكري والنشاط العقلي المحيط بها، فإن كل ما تؤول إليه الأفكار من نظريات ومناهج بينها من مساحات التماس والتداخل والتقاطع والتكامل ما يؤكد هذه الحقيقة, فكل نظرية ومنهج ينشأ في حقل معرفي معين مرفود بأفكار علوم ومعارف أخرى تجعل منه ملتقى روافد.
إن اللغة في استعمالاتها المتعددة هي مادة العلوم جميعها بلا استثناء واحد، وهي، من ثم، مادة المشتغلين على ظاهرة اللغة في تجلياتها المختلفة من الشُّرَّاح والمفسرين والأصوليين والفقهاء واللغويين والنحاة والبلاغيين والنقاد والمحللين الإعلاميين والنفسيين والاجتماعيين والسياسيين والقانونيين، فعلاقة دراسة ظاهرة اللغة بالنظريات والمقاربات الأخرى فيما يُطلق عليه التناقضات الداخلية المتعددة, يثير التساؤلات حول التنافر أو التوحد، ومدى اندماجها أو استقلالها عن هذه المناهج، أهو درس أم صراع دروس مختلفة؟ إنه نظام من التقاطعات والالتقاءات والافتراقات، له جذور وأصول وروافد وامتدادات, إلى حد جاءت فيه دراسة اللغة مفترق طرق غنية, لتداخل اختصاصات متعددة : اللسانيات والنحو والصرف، والمنطق وفلسفة اللغة, والسيميائية, ونظريات التلقي ونقد استجابة القارئ، ونظريات السياق والتداولية بمداخلها المختلفة، ونظريات الاتصال والإبلاغية.
واستعمال اللغة هو ناتج نفسي من المتكلم يستهدف المتلقي بتأثير نفسي، واللغة هي أداة التواصل الاجتماعي والتواصل الإعلامي، وهذا يدفع إلى دراسة استخدام اللغة فى إطار سياقها النفسى والاجتماعى, ليس من قِبَل المتخصصين في الدراسات اللغوية فحسب بل من قِبَل المتخصصين في علم النفس وعلم الاجتماع، فاستعمال اللغة وثيقة في التحليل النفسي والدراسات الاجتماعية، ثم نجد رؤية الأنثروبولوجيا فيما يتصل بالسياق الثقافي والتفسير الأسطوري للآداب، فالظواهر اللغوية تتداخل في قضايا فلسفية ومنطقية ونفسية واجتماعية لا حصر لها, ومن ثم تداخلت معطيات هذه العلوم في الدرس اللغوي بصورة واضحة، وليس رصد الوقائع التاريخية سوى تاريخ في اللغة ولغة في التاريخ؛ لأن استعمال اللغة في وقائع ومواقف تاريخية يفرض العلاقة بين دراسة اللغة والتاريخ، فكم كانت الكلمة سببا في قيام الصراعات والمواجهات والحروب، وكم كانت جدلية التاثير والتأثر بين آداب اللغة من رسائل وخطابة وشعر والوقائع التاريخية من الغزارة بحيث لا تحدها حدود.
ومن ثم فإن الطموح إلى الدراسات البينية لم يعد من قبيل الترف المعرفي الذي يمكن الاستغناء عنه أو تجاهله وإهماله.
يطمح هذا المشروع إلى تجاوز التساؤل : ماذا نعرف؟ إلى تساؤلين جوهريين : كيف نعرف؟ لماذا نعرف؟ ، كما يتجاوز التساؤل : فيمَ نبحث؟ إلى التساؤلين: كيف نبحث؟ لماذا نبحث؟ لأن بذل الجهد في الوقوف على استراتيجيات المعرفة لا يقل أهمية عن المعرفة ذاتها، ومن ثم تأتي دراسة فلسفة العلوم في صميم اهتمام هذا المشروع.
ينفسح مشروع سياقات لطموح العقل البحثي العربي في إعادة تنظيم وعيه بذاته، فلقد غابت المفاهيم الكلية للخلفيات المعرفية في ثنايا منحى البتر الاجتزائي في البحوث والدراسات، يستوي في ذلك اجتزاء بعض أدوات المنهج وإجراءاته من سياقه الكلِّي، أو بتره من جذوره الفلسفية وخلفياته المعرفية وسياقه الثقافي، واجتزاء على مستوى المادة المدروسة من سياقات تكونها، ونتج عن هذا كله آفة الانتقائية العشوائية في الظواهر التي تمثل موضوع الدراسات، وفي المناهج التي تمثل آليات الدراسات، وليست الانتقائية العشوائية للمراجع ببعيد عن هاتين الآفتين في غياب المنظومية عنها.
وتتركز طموحات (سياقات) فيما يلي :
• التكامل المعرفي بين الحقول المعرفية المختلفة في العلوم الإنسانية.
• التكامل المعرفي بين سياقات العلوم والمعارف والثقافات عبر الزمان والمكان .
• التكامل بين مناهج دراسة اللغة وآدابها:اللسانيات والتأويل وتحليل الخطاب والنقد الأدبي والبلاغة.
أ.د. عيـد بلبـع
|
|
|
|
|
|